فصل: فصل: فِي أَيْن يوضع السِّواك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الثَّانِي:

عَن زر عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كُنْتُ أَجْتَنِي لِرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم سِوَاكًا مِنْ أرَاك».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه وَأَبُو يعْلى الْموصِلِي وَصَححهُ ابْن حبَان، لأنَّه أخرجه فِي صَحِيحه. لَا جرم، قَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي أَحْكَامه: رِجَاله عَلَى شَرط الصَّحِيح.
وَرَوَاهُ الإِمام أَحْمد عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا عَلَيْهِ «أنَّه كَانَ يجتني سواكًا من أَرَاك».

.الحديث الثَّالِث:

عَن أبي خيرة- بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت- الصُباحي- بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة- قَالَ: «كنت فِي الْوَفْد الَّذِي أَتَيْنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من عبد الْقَيْس فزودنا الْأَرَاك وَقَالَ: اِسْتَاكُوا بِهَذَا». وَفِي رِوَايَة: «يستاك بِهِ».
رَوَاهُمَا البُخَارِيّ فِي تَارِيخه.
وَقَالَ خَليفَة بن خياط عَلَى مَا نَقله الْحَاكِم أَبُو أَحْمد فِي كناه: أَبُو خيرة الصباحي وَكَانَ فِي وَفد عبد الْقَيْس رَوَى: «اللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِعَبْدِ قَيس»، وَقَالَ: «زودنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَرَاك نستاك بِهِ».
قَالَ الْحَاكِم أَبُو أَحْمد: قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل- يَعْنِي البُخَارِيّ-: قَالَ خَليفَة: ثَنَا عون بن كهمس، ثَنَا دَاوُد بن الْمسَاوِر، عَن مقَاتل بن همام، عَن أبي خيرة قَالَ: «كنت فِي الْوَفْد الَّذين أَتَيْنَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من عبد الْقَيْس فزودنا بالأراك».
وَذكره أَبُو نعيم فِي الْمعرفَة فِي تَرْجَمَة أبي خيرة وَلَفظه: «فزودنا بالأراك نستاك بِهِ، فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله عندنَا الجريد وَلَكِن نقبل كرامتك وعطيتك، ثمَّ دَعَا لَهُم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَفِي رِوَايَة لَهُ: «وَكُنَّا أَرْبَعِينَ رجلا، وَقُلْنَا: إِن عندنَا العُسُب وَنحن نجتزئ بِهِ»، وَهَذِه أخرجهَا الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه، وَفِيه: «ثمَّ أَمر لنا بأراك فَقَالَ: اِسْتَاكُوا بِهَذَا. فَقُلْنَا: يَا رَسُول الله، إِن عندنَا العسب وَنحن نجتزئ بِهِ فَرفع يَدَيْهِ ودعا لَهُم». ثمَّ أخرج الأولَى أَيْضا مثلهَا سَوَاء.
وَقَالَ ابْن الصّلاح فِي كَلَامه عَلَى الْمُهَذّب: رَأَيْت بِخَط أبي مَسْعُود الدِّمَشْقِي الْحَافِظ عَن أبي الْحسن الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ: «أنَّه كَانَ فِي الْوَفْد وَفد عبد الْقَيْس الَّذين أَتَوا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ: فَأمر لنا بأراك فَقَالَ: اِسْتَاكُوا بِهَذَا».
قَالَ ابْن مَاكُولَا: لَيْسَ يرْوَى لأبي خيرة هَذَا سُوَى حَدِيث وَاحِد. وَلَا رَوَى عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من قَبيلَة صباح غَيره.
قَالَ ابْن الصّلاح: وَهَذَا الحَدِيث هُوَ مُسْتَند قَول أَصْحَاب التَّنْبِيه والإِيضاح والْحَاوِي حَيْثُ استحبوه. قَالَ: وَلم أجد فِيهِ فِي كتب الحَدِيث سُوَى هَذَا الحَدِيث.
قُلْتُ: وَقد ذكرت لَك أيُّها النَّاظر حَدِيثا أصح مِنْهُ وَهُوَ حَدِيث ابْن مَسْعُود الْمُتَقَدّم. وَذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي حاويه حَدِيث أبي خيرة هَذَا بِلَفْظ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يستاك بالأراك فإنْ تَعَذَّر عَلَيْهِ استاك بعراجين النّخل، فإنْ تعذر استاك بِمَا وجده».

.الحديث الرَّابِع:

عَن أبي زيد الغافقي، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الأسوكةُ ثلاثةٌ: أرَاك، فَإِنْ لمْ يكنْ أَرَاكَ فعَنَم أَبُو بطم». قَالَ أَبُو وهب: العنم الزَّيْتُون.
رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة أبي زيد الغافقي من حَدِيث سعيد بن عفير، ثَنَا أَبُو وهب الغافقي عَن عَمْرو بن شرَاحِيل الْمعَافِرِي عَنهُ بِهِ.

.الحديث الخَامِس:

عَن ضَمرَة بن حبيب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «نهَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن السِّوَاك بِعُود الريحان وَقَالَ: إنَّه يُحَرك عرق الجذام».
رَوَاهُ الْحَارِث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده، عَن الحكم بن مُوسَى، عَن عِيسَى بن يُونُس، عَن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مَرْيَم الغساني، عَن ضَمرَة بِهِ.
رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي كتاب الطِّبّ أَيْضا.
فَائِدَة: قَالَ أَبُو الْخطاب ابْن دحْيَة فِي كتاب مرج الْبَحْرين: كَأَن السِّوَاك الْمَذْكُور فِي حَدِيث عَائِشَة الْمَذْكُور فِي فضل غسل السِّوَاك وتطييبه من عسيب النّخل كَمَا رَوَاهُ الإِمام أَبُو الْقَاسِم بن الْحسن. قَالَ: وَالْعرب تستاك بالعسيب. قَالَ: وَكَانَ أحب السِّوَاك إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صُرُع الْأَرَاك، وواحدها صَرِيع وَهُوَ قضيب ينطوي من الْأَرَاك حتَّى يبلغ التُّرَاب فَيَبْقَى فِي ظلها وَهُوَ أَلين من فروعها.
قُلْتُ: وَوَقع فِي البُخَارِيّ فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أَن هَذَا السِّوَاك كَانَ جَرِيدَة رطبَة. وَفِي صَحِيح الْحَاكِم أنَّه كَانَ من أَرَاك رطب. ثمَّ قَالَ: صَحِيح الإِسناد وَلم يخرجَاهُ.

.فصل: فِي أَيْن يوضع السِّواك:

عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق، عَن أبي جَعْفَر، عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: «كَانَ السِّوَاك من أذن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَوضِع الْقَلَم من أذن الْكَاتِب».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الحَدِيث رَفعه مُحَمَّد بن إِسْحَاق. وَقَالَ الطَّبَرَانِيّ: لم يروه عَن سُفْيَان إلاَّ يَحْيَى. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَيَحْيَى بن الْيَمَان لَيْسَ بِالْقَوِيّ عِنْدهم.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَن هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: إنَّه وهم من يَحْيَى بن يمَان.
وَقد رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ ذَلِكَ عَن أبي سَلمَة، عَن زيد، كَمَا رويا عَن زيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ مَرْفُوعا: «لَوْلاَ أنْ أشقَّ عَلَى أُمَّتي لأمرتُهم بالسِّوَاكِ عندَ كل صَلاةٍ». قَالَ أَبُو سَلمَة: فَرَأَيْت زيدا يجلس فِي الْمَسْجِد وإنَّ السِّوَاك فِي أُذُنه مَوضِع القلمِ من أُذنِ الْكَاتِب. وَكلما قَامَ إِلَى الصَّلَاة استاك.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن صَحِيح.
قُلْتُ: وَفِيه ابْن إِسْحَاق وَقد عنعن.
وَعَن أبي هُرَيْرَة: «كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أسوكتهم خلف آذانهم يَسْتَنُّون بهَا لكلِّ صَلَاة».
رَوَاهُ الْخَطِيب فِي كتاب من رَوَى عَن مَالك من حَدِيث يَحْيَى بن ثَابت، عَن مَالك، عَن أبي الزِّنَاد، عَن الْأَعْرَج عَنهُ بِهِ.
وَرَوَى ابْن شعْبَان الْفَقِيه الْمَالِكِي بِسَنَدِهِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَجْعَل السِّوَاك مَوضِع الْقَلَم من أذن الْكَاتِب».
هَذَا آخر مَا قصدته وإبراز مَا أردته فِيمَا يتَعَلَّق بِالسِّوَاكِ، وَهُوَ مُهِمّ جدًّا، وَقد اجْتمع بِحَمْد الله وعونه من الْأَحَادِيث من حِين شرع المصنّف فِي ذكر السِّوَاك إِلَى هَذَا الْمَكَان زِيَادَة عَلَى مائَة حَدِيث كلّها فِي السِّوَاك ومتعلقاته، وَهَذَا عَظِيم جسيم، فواعجبًا سنة وَاحِدَة تَأتي فِيهَا هَذِه الْأَحَادِيث ويهملها كثير من النَّاس بل كثير من الْفُقَهَاء المشتغلين. وَهِي خيبة عَظِيمَة نسْأَل الله المعافاة مِنْهَا، وَإِيَّاك أيُّها النَّاظر أَن تسأم مِمَّا أوردناه لَك، وإنْ رَأَيْت أحدا من أهل الغباوة والجهالة قَالَ: طولت أيُّها المصنّف وَعَابَ فَذَلِك ممَّا يزيدك فِي النفرة مِنْهُ وَقلة الاكتراث بِهِ، وَكنت أود لَو كَانَ هَذَا الْكتاب كُله هَكَذَا نذْكر مَا أوردهُ الإِمام الرَّافِعِيّ موضحين لَهُ ثمَّ نتبعه بِمَا أغفله فِي كل بَاب وَمَسْأَلَة، وَلَكِن يُخاف من السَّآمَة، ومنهاجنا هَذَا الَّذِي نمشي عَلَيْهِ متوسط بَين الطَّرِيقَيْنِ، وَخير الْأُمُور أوسطها، أعَاد الله علينا ثَوَاب ذَلِكَ، وَلَا يَجعله حجَّة علينا، بل لنا بمنِّه وَكَرمه.
وَنَرْجِع الْآن إِلَى كلامنا عَلَى الْكتاب متوكلين عَلَى الْملك الْوَهَّاب.

.الحَدِيث السَّابِع عشر:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لاَ وضوءَ لِمْنَ لمْ يسم الله عَلَيْهِ».
هَذَا الحَدِيث مَشْهُور، وَله طرق مُتَكَلَّمٌ فِي كلّها، وَالَّذِي يحضرنا الْآن مِنْهَا ستَّة:
أَحدهَا: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، وَله طَرِيقَانِ:
أَحدهمَا: عَن قُتَيْبَة بن سعيد، عَن مُحَمَّد بن مُوسَى، عَن يَعْقُوب بن سَلمَة، عَن أَبِيه، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لاَ صَلاَةَ لِمْنَ لاَ وضوءَ لَهُ وَلاَ وضوءَ لِمْن لمْ يَذْكر اسْمَ الله عَلَيْهِ».
أخرجه الإِمام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد هَكَذَا عَن قُتَيْبَة.
وَأخرجه ابْن مَاجَه، عَن أبي كريب وعبد الرَّحْمَن بن إِبْرَاهِيم، قَالَا: ثَنَا ابْن أبي فديك، عَن مُحَمَّد بن مُوسَى بِإِسْنَادِهِ وَلَفظه.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي علله، عَن قُتَيْبَة بِمثلِهِ.
وَأخرجه الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك من طريقي قُتَيْبَة وَابْن أبي فديك، لكنَّه قَالَ: فيهمَا يَعْقُوب بن أبي سَلمَة بِزِيَادَة أبي وَالْمَوْجُود فِي سَائِر رِوَايَات هَذَا الحَدِيث غَيره ابْن سَلمَة بِحَذْف أبي.
وَحَاصِل مَا يُعلل بِهِ هَذَا الحَدِيث: الضعْف والانقطاع، أمّا الضعْف فيعقوب بن سَلمَة لَا أعرف حَاله، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان: شيخ لَيْسَ بعمدة.
وأمّا أَبوهُ سَلمَة فَلم يعرف حَاله الْمزي وَلَا الذَّهَبِيّ، وإنَّما قَالَ فِي الْمِيزَان: لم يرو عَنهُ غير وَلَده. وَقد ذكره أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي ثقاته وَقَالَ: ربَّما أَخطَأ.
وأمَّا الِانْقِطَاع فَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي علله: سَأَلت مُحَمَّدًا- يَعْنِي البُخَارِيّ- عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: مُحَمَّد بن مُوسَى المَخْزُومِي لَا بَأْس بِهِ مقارب الحَدِيث، وَيَعْقُوب بن سَلمَة الْمدنِي لَا يُعرف لَهُ سَماع من أَبِيه وَلَا يعرف لِأَبِيهِ سَماع من أبي هُرَيْرَة. وَخَالف الْحَاكِم، فَقَالَ فِي الْمُسْتَدْرك: هَذَا حَدِيث صَحِيح الإِسناد. قَالَ: وَقد احْتج مُسلم بِيَعْقُوب بن أبي سَلمَة الْمَاجشون وَاسم أبي سَلمَة دِينَار وَلم يخرجَاهُ قَالَ: وَله شَاهد. فَذكر حَدِيث أبي سعيد الَّذِي سَيَأْتِي.
وَاعْترض النَّاس عَلَى الْحَاكِم فِي تَصْحِيحه لهَذَا الحَدِيث وأنَّه عَلَى شَرط مُسلم؛ فَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح: وَلَا يستشهد عَلَى ثُبُوت هَذَا الحَدِيث بِكَوْن الْحَاكِم حكم بِصِحَّة إِسْنَاده؛ لأنَّا نَظرنَا فِيهِ فَوَجَدنَا إِسْنَاده قد انْقَلب عَلَيْهِ.
قَالَ الصريفيني- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي كِتَابه رُوَاة الْكتب الْأَحَد عشر عقب قَول الْحَاكِم: وَاسم أبي سَلمَة دِينَار. كَذَا ذكره، وَالصَّوَاب الَّذِي عِنْد الْجَمَاعَة يَعْقُوب بن سَلمَة اللَّيْثِيّ إِن شَاءَ الله. وَقَالَ النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: قَول الْحَاكِم: هَذَا حَدِيث صَحِيح لَيْسَ بِصَحِيح، لِأَنَّهُ انْقَلب عَلَيْهِ إِسْنَاده واشتبه، كَذَا قَالَه الْحَافِظ. وَلم يبين ابْن الصّلاح وَجه الانقلاب وَلَا النَّوَوِيّ وَجه الِاشْتِبَاه، وَبَينه الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام فَقَالَ بعد أَن ذكر مقَالَة الْحَاكِم الْمُتَقَدّمَة: وليعلم أَن مُسلما لم يحْتَج بِيَعْقُوب بن سَلمَة اللَّيْثِيّ، عَن أَبِيه وَهُوَ رَاوِي هَذَا الحَدِيث، كَذَلِك رَوَاهُ عَنهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ- يَعْنِي وَغَيرهمَا كَمَا قدمْنَاهُ- وَيَعْقُوب بن سَلمَة لم يحْتَج بِهِ مُسلم. قَالَ: وَالَّذِي نرَاهُ أَن الحَدِيث ليعقوب بن سَلمَة وأنَّه وَقع انْتِقَال ذهني من يَعْقُوب بن سَلمَة إِلَى يَعْقُوب بن أبي سَلمَة.
قَالَ: وَلَو سُلِّم أنَّه يَعْقُوب بن أبي سَلمَة فَيحْتَاج إِلَى معرفَة حَال أَبِيه أبي سَلمَة واسْمه دِينَار ثمَّ ذكر مقَالَة البُخَارِيّ الْمُتَقَدّمَة فِي تَعْلِيل هَذَا الحَدِيث.
قُلْتُ: وَهَذَا متين، فقد كَشَفْتُ كتب الْأَسْمَاء جرحا وتعديلًا فَلم أرَ دِينَارا هَذَا، بل لم أرَ أحدا قَالَ: إِن الْمَاجشون يروي عَن أَبِيه. فتعيَّن غلط الْحَاكِم، وَلَو صَحَّ لتوجه الِاعْتِرَاض عَلَى الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ والصريفيني وجمال الدَّين الْمزي وتلميذه الذَّهَبِيّ حَيْثُ لم يذكرُوا لوالد أبي سَلمَة فِي كتبهمْ تَرْجَمَة، وَأغْرب أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي كِتَابه التَّحْقِيق: هَذَا حَدِيث جيِّد.
والْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث أَجود أَحَادِيث الْبَاب. قَالَ: وَقد رُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنى أَحَادِيث لَيست بمستقيمة.
قَالَ شَيخنَا أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي: وَفِيمَا قَالَه الْمُنْذِرِيّ نظر، لانْقِطَاع حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا من وَجْهَيْن.
قُلْتُ: لَا شكّ فِيهِ بل هُوَ ضَعِيف لوَجْهَيْنِ كَمَا قَرّرته لَك وأمَّا ابْن السكن فإنَّه ذكره فِي صحاحه، وَهُوَ تساهل مِنْهُ كَمَا يعرف ذَلِكَ من نظر فِي كِتَابه هَذَا.
الطَّرِيق الثَّانِي: عَن مَحْمُود بن مُحَمَّد الظفري، عَن أَيُّوب بن النجار، عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة، عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَا تَوَضَّأَ مَن لمْ يَذْكرْ اسْمَ اللهِ عَلَيهِ، وَمَا صَلَّى مَن لمْ يَتَوَضَّأْ».
أخرجه هَكَذَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا، ومحمود هَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِيهِ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ، فِيهِ نظر. وَأعله الْبَيْهَقِيّ بِأَن قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا يعرف من حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أبي سَلمَة إلاَّ من هَذَا الْوَجْه، وَكَانَ أَيُّوب بن النجار يَقُول: لم أسمع من يَحْيَى بن أبي كثير إلاَّ حَدِيثا وَاحِدًا: «التقَى آدم ومُوسَى عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبينَا الصَّلَاة وَالسَّلَام...» ذكره يَحْيَى بن معِين فِيمَا رَوَاهُ عَنهُ ابْن أبي مَرْيَم، فَكَانَ حَدِيثه هَذَا مُنْقَطِعًا، وَالله أعلم.
الطَّرِيق الثَّالِث من أصل طرق هَذَا الحَدِيث: عَن كَثير- بِفَتْح الْكَاف، ثمَّ ثاء مُثَلّثَة- بن زيد، عَن رُبَيْح- بِضَم الرَّاء الْمُهْملَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَفْتُوحَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت سَاكِنة، ثمَّ حاء مُهْملَة- بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سعيد الْخُدْرِيّ، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لاَ وضوءَ لِمْنَ لمْ يَذْكر اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ».
أخرجه الإِمام أَحْمد، والدارمي فِي مسنديهما، وَالتِّرْمِذِيّ فِي علله، وَابْن مَاجَه فِي سنَنه، وَعبد بن حميد فِي مُسْنده، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا، وَالْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك مستشهدًا بِهِ، وَأخرجه ابْن عدي فِي كَامِله وَقَالَ: لَا أعلم يروي هَذَا الحَدِيث عَن ربيح غير كثير، وَلَا عَن كثير غير زيد بن الْحباب. كَذَا قَالَ، وَقد رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث أبي عَامر الْعَقدي عَن كثير.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي أَحْمد الزبيري، عَن كثير، فاستفد ذَلِكَ.
وللحفاظ فِي هَذَا الحَدِيث مقالتان:
إِحْدَاهمَا: أنَّه حَدِيث حسن، قَالَ شَيخنَا أَبُو الْفَتْح الْيَعْمرِي رَحِمَهُ اللَّهُ: هُوَ أَجود من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَأبي ثفال الْآتِي، وذَلِكَ أنَّ كثير بن زيد ذكر ابْن أبي خَيْثَمَة، عَن يَحْيَى بن معِين أنَّه قَالَ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَقَالَ مُعَاوِيَة بن صَالح عَنهُ: صَالح. وَقَالَ مُحَمَّد بن عبد الله بن عمار عَنهُ: هُوَ ثِقَة. وَحَكَى ابْن الْجَوْزِيّ، عَن ابْن معِين توثيقه. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَدُوق وَفِيه لين. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: صَالح لَيْسَ بِالْقَوِيّ يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ ابْن سعد: كَانَ كثير الحَدِيث.
وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات.
قُلْتُ: وَقَالَ أَحْمد: مَا أرَى بحَديثه بَأْسا. وَربيح وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان. وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: شيخ. وَابْن حبَان وَالْحَاكِم يخرجَانِ حَدِيثه فِي الصَّحِيح.
وَقَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أنَّه لَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ مُحَمَّد بن عمار: ثِقَة.
وَقَالَ ت: قَالَ خَ: مُنكر الحَدِيث.
وَهَذَا قد يُعَارض مَا نَقله ابْن الْجَوْزِيّ فِي هَذَا الحَدِيث: أنَّه أحسن شَيْء فِي الْبَاب، كَمَا سَيَأْتِي، ويُورث عنْدك شُبْهَة احْتِمَال غلطه فِي النَّقْل عَنهُ، وَقَول الإِمام أَحْمد فِيهِ أنَّه لَيْسَ بِمَعْرُوف لَيْسَ بقادح؛ فقد عرفه غَيره وَرَوَى عَنهُ جمَاعَة كَثِيرَة. وَقَالَ الْحَافِظ جمال الدَّين أَبُو الْفرج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه التَّحْقِيق: فِيهِ مقَال قريب، وَكثير بن زيد، قَالَ يَحْيَى: لَيْسَ بِذَاكَ الْقوي. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ليِّن.
وَقَالَ الإِمام أَحْمد وَالْبُخَارِيّ: إنَّه أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب.
قُلْتُ: هَذَا مُخَالف لما نَقله التِّرْمِذِيّ عَن البُخَارِيّ، كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيث زيد.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَقد قَالُوا فِي ربيح: إنَّه لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ. قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم: سَمِعت أَبَا عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل يَقُول فِي هَذَا- يَعْنِي فِي وجوب التَّسْمِيَة-: لَيْسَ فِيهِ حَدِيث يثبت، وأحسنها هَذَا الحَدِيث. قَالَ: وَإِنَّا لَا نأمره بالإِعادة، وَأَرْجُو أَن يُجزئهُ الْوضُوء؛ لأنَّه لَيْسَ هَذَا حَدِيث نحكم بِهِ.
وَكَذَا نقل الإِمام الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ، عَن الإِمام أَحْمد أنَّه قَالَ: لَا أعلم فِي التَّسْمِيَة حَدِيثا أَقْوَى من حَدِيث كثير هَذَا.
وَكَذَا نقل الْعقيلِيّ فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء أنَّه لما سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث قَالَ: إنَّه أحسن شَيْء فِي الْبَاب.
وَقَالَ أَحْمد بن حَفْص السَّعْدِيّ: سُئِلَ أَحْمد عَن التَّسْمِيَة فِي الْوضُوء. فَقَالَ: لَا أعلم فِيهِ حَدِيثا يثبت. أَقْوَى شَيْء فِيهِ حَدِيث كثير بن زيد، عَن ربيح. وَقَالَ الْحَافِظ مجد الدَّين ابْن تَيْمِية فِي أَحْكَامه: سُئِلَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه: أَي حَدِيث أصح فِي التِّسمية؟ فَذكر هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْحَافِظ: وَفِيه مقَال قريب. وذكره ابْن السكن فِي صحاحه.
الْمقَالة الثَّانِيَة: أنَّه حَدِيث لَا يصحّ.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْعِلَل المتناهية فِي الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة: هَذَا حَدِيث لَا يثبت عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ المرّوزي: لم يُصَحِّحهُ أَحْمد. وَقَالَ: ربيح لَيْسَ بِمَعْرُوف وَلَيْسَ الْخَبَر بِصَحِيح، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْء يثبت.
وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي الضُّعَفَاء: الْأَسَانِيد فِي هَذَا الْبَاب فِيهَا لين. وَرَوَى الْبَزَّار هَذَا الحَدِيث فِي سنَنه، وَقَالَ: لَا نعلمهُ يرْوَى عَن أبي سعيد إلاَّ بالإِسناد الْمَذْكُور. وَكثير بن زيد قد رَوَى عَنهُ جمَاعَة من أهل الْعلم وَاحْتَملُوا حَدِيثه، وَربيح بن عبد الرَّحْمَن رَوَى عَنهُ فليح بن سُلَيْمَان، وَعبد الْعَزِيز الدَّرَاورْدِي، وَكثير بن عبد الله بن عَمْرو.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن أبي ثِفَال- بِكَسْر الثَّاء الْمُثَلَّثَة، وَيُقَال بضَمهَا وَبعدهَا فَاء- المري- بالراء الْمُهْملَة- عَن رَبَاح- بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة بعْدهَا بَاء مُوَحدَة- ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان بن حويطب، عَن جدته، عَن أَبِيهَا، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لاَ وضوءَ لِمْنَ لمْ يَذْكر اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه هَكَذَا.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه من حَدِيث يزِيد بن عِيَاض، عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان أنَّه سمع جدته بنت سعيد بن زيد تذكر أنَّها سَمِعت أَبَاهَا سعيد بن زيد يَقُول: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وضوءَ لَهُ، وَلاَ وضُوءَ لِمْنَ لمْ يَذْكر اسْمَ اللهِ عَلَيه».
وَأخرجه الإِمام أَحْمد من هَذَا الطَّرِيق بِهَذَا الإِسناد والأوَّل أَيْضا.
وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه بالإِسناد الأوَّل وَاللَّفْظ إلاَّ أنَّه زَاد: «وَلاَ صَلاَة لِمَن لَا وضُوءَ لَهُ».
وَرَوَاهُ ابْن قَانِع فِي مُعْجَمه بِإِسْنَاد التِّرْمِذِيّ، ولفظُهُ: «مَا آمنَ بِاللهِ مَن لمْ يُؤْمِنْ بِي، وَلاَ آمنَ بِي مَنْ لمْ يحبّ الأنْصَارَ، وَلاَ صَلاةَ إِلاَّ بوضوءٍ، وَلاَ وضُوءَ لِمْنَ لمْ يَذْكرْ اسْمَ اللهِ عَلَيه».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله والعقيلي فِي تَارِيخه، عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة أنَّه سمع أَبَا ثِفال يَقُول: سَمِعت رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان يَقُول: حَدَّثتنِي جدَّتي أنَّها سَمِعت أَبَاهَا يَقُول: سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لاَ صَلاَةَ لِمَن لَا وضُوءَ لَهُ، وَلاَ وضُوءَ لِمْنَ لمْ يَذْكر اسْمَ اللهِ عَلَيه، وَلاَ يُؤْمِن بِاللهِ مَن لَا يُؤْمِن بِي، وَلاَ يُؤْمِن بِي مَن لَا يُحِبُّ الأَنْصَارَ».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث سُلَيْمَان بن بِلَال، عَن أبي ثِفال قَالَ: سَمِعت رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن يَقُول: حَدَّثتنِي جدَّتي أَسمَاء بنت سعيد بن زيد بن عَمْرو أنَّها سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول، فَذكره بِلَفْظ الْعقيلِيّ، كَذَا ذكره فِي ترجمتها بِإِسْقَاط اسْمهَا.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: قَالَ البُخَارِيّ: أحسن شَيْء فِي هَذَا الْبَاب هَذَا الحَدِيث.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: ورباح بن عبد الرَّحْمَن هُوَ أَبُو بكر بن حويطب، وَمِنْهُم من رَوَى هَذَا الحَدِيث، فَقَالَ: عَن أبي بكر بن حويطب فنسبه إِلَى جدِّه، وَأَبُو جدَّته هُوَ سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل. وَأَبُو ثفال اسْمه ثُمَامَة بن حُصَيْن.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله وَقد سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث يرويهِ أَبُو ثِفال المري وَاخْتلف عَنهُ؛ فَرَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة الْأَسْلَمِيّ عَن أبي ثفال وَاخْتلف عَنهُ وَقَالَ وهيب وَبشر بن الْمفضل وَابْن أبي فديك، وَسليمَان بن بِلَال: عَن ابْن حَرْمَلَة، عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن بن أبي سُفْيَان بن حويطب، عَن جدته، عَن أَبِيهَا، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وأبوها هُوَ سعيد بن زيد. وَخَالفهُم حَفْص بن ميسرَة وَأَبُو معشر نجيح وَإِسْحَاق بن حَازِم. فَرَوَوْه عَن ابْن حَرْمَلَة، عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح، عَن جدته أنَّها سَمِعت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَلم يذكرُوا أَبَاهَا فِي الإِسناد.
وَرَوَاهُ يزِيد بن عِيَاض وَالْحسن بن أبي جَعْفَر وَعبد الله بن جَعْفَر بن نجيح الْمَدِينِيّ، عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح، عَن جدته عَن أَبِيهَا سعيد كَقَوْل وهيب وَمن تَابعه عَن ابْن حَرْمَلَة.
وَرَوَاهُ الدَّرَاورْدِي عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح، عَن ابْن ثَوْبَان مُرْسلا، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَرَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن صَدَقَة مولَى آل الزبير، عَن أبي ثفال، عَن أبي بكر بن حويطب مُرْسلا، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَالصَّحِيح قَول وهيب وَبشر بن الْمفضل وَمن تابعهما.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: قَالَ أبي: الصَّحِيح حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن أبي ثفال، عَن رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن بن حويطب، عَن جدته، عَن أَبِيهَا سعيد بن زيد مَرْفُوعا قَالَ: وَمن قَالَ عَن عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة الْأَسْلَمِيّ، عَن ثفال، عَن رَبَاح، عَن أمِّه بنت زيد بن نفَيْل مَرْفُوعا فقد أَخطَأ فِي مَوَاضِع.
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر من علله: سَأَلت أبي وَأَبا زرْعَة عَنهُ فَقَالَا: لَيْسَ عندنَا بذلك الصَّحِيح، أَبُو ثفال ورباح مَجْهُولَانِ.
وذكره أَبُو الْحسن بن الْقطَّان، وَقَالَ عَن عبد الحقّ حِين أخرج هَذَا الحَدِيث من طَرِيق التِّرْمِذِيّ وَذكر كَلَامه عَلَيْهِ كَمَا سقناه: فإنْ كَانَ اعْتمد قَول البُخَارِيّ فقد يُوهم أنَّه حسن، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَمَا هُوَ إلاَّ ضَعِيف جدًّا، وإنَّما مَعْنَى كَلَام البُخَارِيّ أنَّه أحسن مَا فِي الْبَاب عَلَى علاته.
قُلْتُ: وَمِمَّا يُقَوي هَذَا أنَّ الْعقيلِيّ رَوَى عَن البُخَارِيّ أنَّه قَالَ: فِي حَدِيث أبي ثفال نظر. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَإِن اعْتمد قَول الإِمام أَحْمد حَيْثُ قَالَ: لَا أعلم فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا لَهُ إِسْنَاد جيِّد فقد بَقِي عَلَيْهِ أَن يبين علته. وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي قصدت بَيَانه لتكمل الْفَائِدَة، وَفِي إِسْنَاده ثَلَاثَة مَجَاهِيل الْأَحْوَال:
أوَّلهم: جدة رَبَاح فإنَّها لَا تعرف بِغَيْر هَذَا وَلَا يُعرف لَهَا لَا اسْم وَلَا حَال، وَغَايَة مَا يعرفنا بِهَذَا أنَّها ابْنة لسَعِيد بن زيد.
قُلْتُ: وَلِهَذَا الْوَجْه ذكره أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام فِي كِتَابه الطّهُور. فَقَالَ: وَقد كَانَ بعض أهل الحَدِيث يطعن فِيهِ لمَكَان الْمَرْأَة المجهولة.
الثَّانِي: رَبَاح الْمَذْكُور فإنَّه مَجْهُول الْحَال كَذَلِك، وَلم يَعْرِفْ ابْن أبي حَاتِم من حَاله بِأَكْثَرَ ممَّا أَخذ من هَذَا الإِسناد من رِوَايَته عَن جدته، وَرِوَايَة أبي ثفال عَنهُ.
الثَّالِث: أَبُو ثفال الْمَذْكُور فإنَّه أَيْضا مَجْهُول الْحَال كَذَلِك وَهُوَ أشهرهم لرِوَايَة جمَاعَة عَنهُ مِنْهُم: عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، وَسليمَان بن بِلَال، وَصدقَة مولَى الزبير والدراوردي وَالْحسن بن أبي جَعْفَر، وَعبد الله بن عبد الْعَزِيز. انْتَهَى مَا ذكره ابْن الْقطَّان.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: أَبُو ثِفال اسْمه: ثُمَامَة بن الْحصين قَالَه التِّرْمِذِيّ، وَقيل: ثُمَامَة بن وَائِل.
قُلْتُ: وَكَذَا سَمَّاه أَبُو عبيد فِي رِوَايَته فِي كتاب الطّهُور لَهُ. قَالَ: وَمَا ذكره ابْن الْقطَّان من جَهَالَة حَاله مَعَ رِوَايَة جمَاعَة عَنهُ هِيَ طَرِيقَته.
وَرَأَيْت فِي علل ابْن أبي حَاتِم مَا يُوَافقهُ، فإنَّه سَأَلَ أَبَاهُ وَأَبا زرْعَة عَن حَدِيث أبي ثفال هَذَا. فَقَالَا: لَيْسَ عندنَا بِذَاكَ الصَّحِيح، أَبُو ثفال مَجْهُول ورباح مَجْهُول. وَقد تقدم هَذَا عَنهُ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: أَبُو ثفال لَيْسَ بِمَعْرُوف.
قُلْتُ: قد ذكره ابْن حبَان فِي ثقاته وَقَالَ: لست بالمعتمد عَلَى مَا تفرد بِهِ.
قَالَ الشَّيْخ: وأمَّا مَا ذكره ابْن الْقطَّان فِي أَمر رَبَاح وَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامه من أنَّه لم يرو إلاَّ عَن جدته وَلَا رَوَى عَنهُ إلاَّ أَبُو ثفال، فقد قَالَ صَاحب والكمال: إنَّه رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا، وأَن الحكم بن الْقَاسِم الأويسي وَصدقَة- غير مَنْسُوب- رويا عَنهُ.
قُلْتُ: فترتفع عَنهُ الْجَهَالَة العينية وَتَبقى الْجَهَالَة الحالية، وَقد صرح برفعها عَنهُ ابْن حبَان فإنَّه ذكره فِي ثقاته. لَكِن ذكره فِي الطَّبَقَة الثَّالِثَة وَكَانَ يَنْبَغِي ذكره فِي الثَّانِيَة فِي التَّابِعين لروايته عَن أبي هُرَيْرَة.
قَالَ شَيخنَا فتح الدَّين الْيَعْمرِي: وَقَول ابْن الْقطَّان إِن جدة رَبَاح لَا يعرف لَهَا اسْم، لَيْسَ كَذَلِك. فقد ذكر الْبَيْهَقِيّ أنَّ اسْمهَا: أَسمَاء. وقَالَ: وَيُؤَيّد تَفْسِير ابْن الْقطَّان؛ لقَوْل البُخَارِيّ فِي هَذَا الحَدِيث مَا نَقله أَيْضا الْعقيلِيّ. فَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: أَبُو ثفال المري عَن رَبَاح بن عبد الرَّحْمَن فِي حَدِيثه نظر.
قُلْتُ: وَجدّة رَبَاح ذكرهَا ابْن حبَان فِي ثقاته أَيْضا.
وَذكر هَذَا الحَدِيث ابْن السكن فِي صحاحه من هَذَا الْوَجْه أَيْضا.
وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَابْن تَيْمِية، الأوَّل فِي التَّحْقِيق وَالثَّانِي فِي المُنْتَقَى: فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث مقَال قريب. وإنَّما قَالَا ذَلِكَ تَقْوِيَة لمذهبهما- فِي إِحْدَى الراويتين عَن الإِمام أَحْمد- فِي أنَّ التَّسْمِيَة وَاجِبَة فِي الْوضُوء، وَسَيَأْتِي عَن أَحْمد قَرِيبا أنَّه قَالَ فِيهِ: إنَّه حَدِيث لَا يثبت.
وَلَقَد وُفِّق ابْن الْجَوْزِيّ للصَّوَاب فِي كِتَابه الْعِلَل المتناهية فَقَالَ فِيهِ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم. قَالَ الإِمام أَحْمد: من أَبُو ثفال؟ قَالَ: وَيروَى مُرْسلا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: والأوَّل أصحّ، وَفِي إِسْنَاد الْمُرْسل صَدَقَة مولَى آل الزبير، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: هُوَ مَجْهُول. وَقَالَ الْعقيلِيّ فِي تَارِيخ الضُّعَفَاء: قَالَ الإِمام أَحْمد: هَذَا حَدِيث لَا يثبت.
قُلْتُ: وَله قولة أُخْرَى فِيهِ.
قَالَ الْأَثْرَم: قُلْتُ لأبي عبد الله: التَّسْمِيَة فِي الْوضُوء. قَالَ: أحسن ذَلِكَ حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ. قُلْتُ: فَمَا رَوَى عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة؟ قَالَ: لَا يثبت. وَرَوَى هَذَا الحَدِيث أَيْضا أَبُو بكر الْبَزَّار من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَتيق بن نجيح، ثَنَا عبد الرَّحْمَن بن حَرْمَلَة، عَن أبي ثِفال كَمَا تقدم، ثمَّ قَالَ: وَحَدِيث حَرْمَلَة هَذَا رَوَاهُ جمَاعَة ثِقَات عَن ابْن حَرْمَلَة. وَأَبُو ثفال مَشْهُور، ورباح بن عبد الرَّحْمَن وجدته لَا نعلمهما رويا إلاَّ هَذَا الحَدِيث، وَلَا حَدَّث عَن رَبَاح إلاَّ أَبُو ثفال.
فَالْخَبَر من جِهَة النَّقْل لَا يثبت لِلْعِلَّةِ الَّتِي وَصفنَا، وَقد رُوِيَ عَن كثير بن زيد عَن الْوَلِيد عَن رَبَاح، عَن أبي هُرَيْرَة.
وَقد رُوِيَ عَن عَائِشَة: «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا بَدَأَ بِالْوضُوءِ سمَّى».
قَالَ الْبَزَّار: فِي إِسْنَاده حَارِثَة بن مُحَمَّد، وَقد حَدَّث عَنهُ جمَاعَة. وَعِنْده أَحَادِيث لم يُتَابع عَلَيْهَا.
قَالَ عبد الحقّ: وثَّقَه الدَّارَقُطْنِيّ وَحده فِيمَا أعلم وَضَعفه النَّاس.
قَالَ الْبَزَّار: كل مَا رُوي فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ بِقَوي الإِسناد وَإِن تأيدت هَذِه الْأَسَانِيد.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن عبد الْمُهَيْمِن بن عَبَّاس بن سهل السَّاعِدِيّ عَن أَبِيه، عَن جده، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لاَ صَلاَةَ لِمَن لاَ وضُوَء لَهُ، وَلاَ وضُوءَ لِمن لمْ يَذْكر اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَلاَ صَلاَةَ لِمَن لمْ يصلِّ عَلَى نَبِي الله ولاَ صَلاَةَ لِمَن لمْ يصلِّ عَلَى الأَنْصَارِ».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه كَذَلِك وَابْن مَاجَه أَيْضا، وَلَكِن لَفظه: «وَلاَ صَلاَةَ لِمَن لمْ يُحبّ الأَنْصَار».
وَعبد الْمُهَيْمِن هَذَا واه، قَالَ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ عَلّي بن الْجُنَيْد: ضَعِيف، وَالنَّسَائِيّ: مَتْرُوك. وَالدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيّ. وَابْن حبَان: لما فحش الْوَهم فِي رِوَايَته بَطل الِاحْتِجَاج بِهِ.
قُلْتُ: لَكِن رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة أَخِيه أُبيّ بن عَبَّاس، عَن أَبِيه، عَن جدَّه أَيْضا.
وأُبيّ أخرج لَهُ البُخَارِيّ، وتكلَّم فِيهِ أَحْمد وَيَحْيَى بن معِين، وَسَيَأْتِي فِي آخر كتاب صفة الصَّلَاة مزِيد إِيضَاح لهَذَا الحَدِيث.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن عِيسَى بن سُبْرَة، عَن أَبِيه، عَن جدّه، قَالَ: «صعد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمِنْبَر ذَات يَوْم، فَحَمدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاس، لاَ صَلاَةَ إِلاَّ بوضُوءٍ، وَلاَ وضُوءَ لِمَن لمْ يَذكُر اسْمَ اللهِ عَليه وَلم يُؤمن بِاللَّه من لم يُؤمن بِي، وَلم يُؤمن بِي من لم يعرف حقّ الْأَنْصَار».
رَوَاهُ الدولابي فِي الْأَسْمَاء والكنى وَالطَّبَرَانِيّ فِي أَوسط معاجمه وَقَالَ: لم يُرو هَذَا الحَدِيث عَن أبي سُبْرَة إلاَّ بِهَذَا الإِسناد.
وَأخرجه فِي أكبر معاجمه بِدُونِ الْخطْبَة.
الطَّرِيق السَّادِس: عَن عِيسَى بن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَلّي بن أبي طَالب، عَن أَبِيه، عَن جدَّه، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «لاَ صَلاَةَ لِمَن لاَ وضُوءَ لَهُ، وَلاَ وضُوءَ لِمْن لمْ يَذْكُر اللهَ عَلَيْهِ».
رَوَاهُ أَبُو أَحْمد بن عدي وَقَالَ: إِسْنَاده لَيْسَ بِمُسْتَقِيم.
وَلِلْحَدِيثِ طَريقَة سابعة ذكرهَا الْحَافِظ عبد الحقّ فِي الْأَحْكَام عَن أَسد بن مُوسَى، عَن حَمَّاد بن سَلمَة، عَن ثَابت، عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا إِيمْانَ لِمَن لمْ يُؤْمِنْ بِي، وَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ بوضُوءٍ، وَلاَ وضُوءَ لِمَن لمْ يُسَم اللهَ».
قَالَ الْحَافِظ عبد الْحق: ذكر هَذِه الطَّرِيق عبد الْملك بن حبيب.
قُلْتُ: وَهَذِه الطَّرِيق حَسَنَة، فأسد بن مُوسَى هُوَ الملقب بأسد السّنة حَافظ صَنَّف وَجمع، قَالَ البُخَارِيّ: هُوَ مَشْهُور الحَدِيث. وَاسْتشْهدَ بِهِ أَيْضا، وَاحْتج بِهِ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ، قَالَ ابْن يُونُس: هُوَ ثِقَة، وَحدث بِأَحَادِيث مُنكرَة، فالآفة من غَيره وَمَا علمت بِهِ بَأْسا. إلاَّ أَن ابْن حزم طعن فِيهِ، فَقَالَ: مُنكر الحَدِيث. وَفِي مَوضِع آخر: ضَعِيف وَهَذَا تَضْعِيف مَرْدُود، وَبَاقِي السَّنَد كَالشَّمْسِ لَا يُسأل عَنهُ.
وَله أَيْضا طَريقَة ثامنة ذكرهَا الْحَافِظ أَبُو مُوسَى الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابه معرفَة الصَّحَابَة فِي تَرْجَمَة أم سُبْرَة أنَّها سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَا وضُوءَ لَهُ وَلاَ وضُوءَ لمن لم يذكر الله- عزَّ وجلَّ- وَلَا يُؤمن بِي من لَا يحبّ الْأَنْصَار» ثمَّ قَالَ: فِي إِسْنَاد حَدِيث أمّ سُبْرَة هَذَا نظر.
فَإِذا علمتَ- وفقك الله- هَذِه الْأَحَادِيث وعللها وأنَّها من جَمِيع طرقها مُتَكَلم فِيهَا، وَأَن بعض الْأَئِمَّة ضعف بَعْضهَا وَحسن بَعْضهَا، بَقِيْتَ متطلعًا لما يسْتَدلّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَاب التَّسْمِيَة.
ولتعلم أَن النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ- قَالَ: لَيْسَ فِي أَحَادِيث التَّسْمِيَة عَلَى الْوضُوء حَدِيث صَحِيح صَرِيح. وكأنَّه تبع فِي هَذِه القولة قَول الإِمام أَحْمد فِيمَا نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ: لَا أعلم فِي هَذَا الْبَاب حَدِيثا لَهُ إِسْنَاد جيِّد.
وَقد ذكرنَا من الْأَحَادِيث مَا يسْتَدلّ الْفُقَهَاء بِمثلِهِ ويسْتَند الْعلمَاء فِي الْأَحْكَام إِلَيْهِ، فَلَيْسَ من شَأْنهمْ أَن لَا يحتجوا إلاَّ بِالصَّحِيحِ بل أَكثر احتجاجهم بالْحسنِ، وَلَا يَخْلُو هَذَا الْبَاب فِي ذَلِكَ من حسن صَرِيح، كَمَا قَدمته لَك.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين ابْن الصّلاح فِي مُشكل الْوَسِيط: رُوِيَ هَذَا الحَدِيث من وُجُوه فِي كلِّ مِنْهَا نظر، لكنَّها غير مطرحة، وَهِي من قبيل مَا يثبت باجتماعه الحَدِيث ثُبُوت الحَدِيث الموسوم بالْحسنِ.
قُلْتُ: بل وجد فِي التَّسْمِيَة حَدِيث صَحِيح من غير شكّ وَلَا مرية، لَكِن لَيْسَ بِصَرِيح؛ بل يسْتَدلّ بِعُمُومِهِ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْأَئِمَّة وَاحْتَجُّوا بِهِ: النَّسَائِيّ، وَابْن مَنْدَه، وَابْن خُزَيْمَة، وَالدَّارَقُطْنِيّ، وَالْبَيْهَقِيّ، من حَدِيث معمر، عَن ثَابت وَقَتَادَة عَن أنس، قَالَ: «طلب بعض أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وضُوءًا فَلم يَجدوا، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَلْ مَعَ أَحَدٍ مِنْكُم مَاءٌ؟ فَوضع يَده فِي الإِناء وَقَالَ: تَوَضَّئوا بِاسْمِ اللهِ. فَرَأَيْت المَاء يخرج من بَين أَصَابِعه حتَّى توضئوا من عِنْد آخِرهم. قَالَ ثَابت: قُلْتُ لأنس: كم تراهم؟ قَالَ: نَحوا من سبعين».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا أصح مَا فِي التَّسْمِيَة. وَقَالَ الْحَافِظ ضِيَاء الدَّين الْمَقْدِسِي فِي أَحْكَامه: إِسْنَاده جيِّد. وَكَذَا قَالَ النَّووي- رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي الْمَجْمُوع والْخُلَاصَة وَاحْتج بِهِ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه معرفَة السّنَن والْآثَار.
وأصل هَذَا الحَدِيث عَن أنس متَّفق عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وإنَّما الْمَقْصُود بِرِوَايَة معمر هَذِه اللَّفْظَة الَّتِي ذكر فِيهَا التَّسْمِيَة.
وَأخرج أَحْمد فِي مُسْنده مثله من حَدِيث الْأسود بن قيس عَن نُبيح الْعَنزي، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «غزونا مَعَ رَسُول الله وَنحن يَوْمئِذٍ بضعَة عشر ومِائَتَان فَحَضَرت الصَّلَاة فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: هَل فِي الْقَوْم من مَاء؟ فجَاء رجل يسْعَى بإداوة فِيهَا شَيْء من مَاء، قَالَ: فَصَبَّهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قدح، قَالَ: فَتَوَضَّأ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ انْصَرف وَترك الْقدح، فَركب النَّاس الْقدح: تَمسحُوا تَمسحُوا! فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلَى رسلكُمْ حِين سمعهم يَقُولُونَ ذَلِكَ، قَالَ فَوضع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَفه فِي المَاء والقدح، ثمَّ قَالَ: بِسْمِ اللهِ. ثمَّ قَالَ: أَسْبِغُوا الْوضُوءَ. فوالذي ابتلاني ببصري لقد رَأَيْت المَاء يَوْمئِذٍ يخرج من بَين أَصَابِع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا رَفعهَا حتَّى توضئوا أَجْمَعُونَ». ونبيح هَذَا قَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: مَجْهُول. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: كُوفِي ثِقَة، لم يرو عَنهُ غير الْأسود بن قيس، وَقد رَوَى عَنهُ أَبُو خَالِد الدالاني أَيْضا. وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان. قَالَ النَّووي فِي شرح الْمُهَذّب: يُمكن أَن يحْتَج فِي الْمَسْأَلَة بِحَدِيث أبي هُرَيْرَة: «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللهِ فَهوَ أَجْذَم»، وَهَذَا الحَدِيث ذكر أَصله الإِمام الرَّافِعِيّ فِي كتاب النِّكَاح، وسنتكلم عَلَيْهِ هُنَاكَ- إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَالَ الإِمام الرَّافِعِيّ: وَيروَى فِي بعض الرِّوَايَات: «لاَ وضُوءَ كَامِل لِمَن لمْ يَذْكُر اسْمَ اللهِ عَلَيهِ». وَهَذِه الرِّوَايَة غَرِيبَة جدًّا لَا أعلم من خرجها بِهَذَا اللَّفْظ مَعَ الْبَحْث عَنْهَا. لَكِن الحَدِيث الْآتِي بعد هَذَا هُوَ بمعناها.
وَحَكَى أَبُو دَاوُد عَن ربيعَة أَن تَفْسِير الحَدِيث الَّذِي مر: «لاَ وضُوءَ لِمَن لمْ يَذْكُر اسْمَ اللهِ عَلَيه» أنَّه الَّذِي يتَوَضَّأ ويغتسل وَلَا يَنْوِي وضُوءًا للصَّلَاة وَلَا غسلا للجنابة.
وَادَّعَى الشَّيْخ زكي الدَّين فِي اختصاره للسنن ظُهُور هَذَا التَّأْوِيل، وَالله الْمُوفق للصَّوَاب.